الدنمارك هي واحدة من بلدان أوروبا الشمالية الأكثر إستخداما لشبكة الإنترنت في معاملاتها اليومية ، و كما تعلمون جميعا ، فإن هذه الشبكة على الرغم من أنها تقدم العديد من الخدمات الممتازة و السريعة إلا أنها لا تخلو من العديد من المخاطر مثل القرصنة و الإبتزاز و التهديد .
و هذا ما إستوجب من الحكومة الدنماركية أن تضع إستراتجية متكاملة لمجابهة هذه المشاكل ، بما يعبر عنه بنظام مكافحة الجرائم الإلكترونية .
تاريخ الدنمارك مع الجرائم الإلكترونية :
ما لا يعرفه الكثير منكم أن دولة الدنمارك تزخر بتاريخ حافل على مستوى الجرائم عامة و الجرائم الإلكترونية خاصة ، إذ أن جرائم الأنترنت قد بلغت ذروتها في الخمس سنوات الأخيرة و طالت يدها المنظمات الحكومية و القطاع الخاص على حد السواء و يرجع ذلك إلى عديد الأسباب الداخلية منها و الخارجية .
و من بين هذه الأنشطة الإلكترونية الخبيثة اللتي وجدت موطئ قدم لها في الدنمارك نذكر :
- التجسسس الإلكتروني :
و هو ما يعبر عنه باللغة الإنجليزية ب Cyber Espionage وهي جريمة تهدف إلى جمع معلومات حساسة عن الهدف كالأسرار المهنية للشركات و حقوق الملكية و البيانات الشخصية من أسماء و كلمات مرور و أرقام حسابات بنكية إلخ .
و قد إستعمل في هذا النوع من الهجوم العديد من الفيروسات من بينها فيروس الرانسوم وير اللذي يقوم بتشفير كامل الملفات في جهاز الضحية و من ثم يطلب منه فدية مقابل إرجاع الملفات إلى حالتها العادية .
ونجد أيضا فيروسات أخرى من نوع بوتكيت Bootkit و هي برمجيات خبيثة تستهدف سجل إقلاع النظام Volume boot record و تقوم بالتجسس على كل شيء موجود فيه.
هنا تجدون تقريرا كاملا و شاملا لشركة FireEye المتخصصة في خدمات أمن المعلومات ، تصف فيه هذا النوع من الهجوم اللذي أستخدم من قبل قراصنة روس يطلقون على أنفسهم مجموعة FIN .
لمشاهدة التقرير كاملا إضغط هنا
- الهاكتيفزم :
يعرف في اللغة االإنجليزية ب Hacktivism أو Cyberactivism و هو نوع من الإختراق يستهدف في أغلب الأحيان مواقع أنترنت لمنظمات أو وزارات حكومية بهدف ترك رسالة سياسية معينة أو حجب الخدمة عنه بما يعرف بهجوم DDOS .
و لقد تعرضت الدنمارك للكثير من هذا النوع من الهجمات طيلة هذه الفترة الأخيرة و كانت من قبل أحزاب أو شخصيات معارضة ، من الداخل و الخارج ، للعديد من القوانين اللتي يعتبرونها جائرة في حق المواطنين .
إجراءات الحماية اللتي إتخذتها الدنمارك :
في خضم كل هذه الجرائم و تداعياتها على البلاد ككل ، قامت الحكومة الدنماركية في شهر ديسمبرمن سنة 2014 بحملة تحسيسية تهدف إلى توعية المجتمع المدني بخطورة الجرائم الإلكترونية و مدى تأثيرها على الأمن القومي للبلاد ، ممهدة بذلك الطريق لكسب ثقة المواطنين و أصحاب الشركات و من ثم وضع إستراجية كاملة للحماية ضد جرائم الأنترنت .
و لقد أخذت هذه الإجراءات فاعليتها في بداية سنة 2016 .
و كما أكد على ذلك وزير المالية Bjarne Corydon في تصريح صحفي قال فيه ” ومن الضروري علينا أن نحسن التعامل في مجال المعلومات على جميع المستويات وهذا لايكون إلا بمجهود مبذول من الدولة وشركاؤها ” . و أضاف بالقول :” لا يمكننا توفير حماية بنسبة 100% ، ولكننا نسعى إلى أن ننام بهدوء بعض الشيء “.
و تنقسم هذه الإستراتجية إلى 27 جزءا على محورين أساسيين وهما كالآتي :
- تحسين البنية التحتية لشبكة الإتصالات السلكية و لا سلكية .
- زيادة الرصيد المعرفي حول أمن المعلومات و إجراء تدريبات في هذا المجال بمشاركة العديد من الأطراف الدولية .
إنشاء أول أكاديمية للهاكرز في العالم :
إنشاء أكادمية للهاكرز ، كان هذا أول تطبيق فعلي للإجرات اللتي إتخذتها الحكومة الدنماركية و سهر على تنفيذها وكالة الاستخبارات الدنماركية PET Politiets Efterretningstjeneste بإطلاق حملة وطنية في شهر مارس 2016 لأول مرة في تاريخ الدنمارك و العالم عبر موقعها الرسمي و الإعلانات في الصحافة المحلية و في محطات النقل تحمل عنوان “هل لديك ما يلزم لتصبح عضوا في وحدة النخبة السرية؟ “.
و قد حثت فيها كل المهتمين بمجال أمن المعلومات بالمسارعة في التسجيل في هذه الأكادمية اللتي تعتبر الأولى من نوعها في العالم ، حيث سيتلقون فيها تدريبا مكثفا في مجال الإختراق الدفاعي و الهجومي على شبكة الأنترنت تتراوح مدته بين 3 و 4 أشهر إبتداءا من يوم 1 أغسطس 2016 ، في العاصمة كوبنهاجن Copenhagen و في مكان سري لن يعلن عنه ، و يكون إختيار الطلبة بعد إجتياز جميع الفحوصات الطبية اللتي تتوكل القوات الخاصة في سلاح البحرية الملكية الدنماركية بإجراءها .
يتلقى المتدربون في هذه الأكادمية ثلاث مواد وهي كالآتي :
- كورس أساسي في الشبكات و بنيتها التحية و أمن المعلومات .
- كورس حول تقنيات الإختراق الدفاعي .
- كورس حول تقنيات الإختراق الهجومي .
و لقد صرح مدير الوكالة Lars Findsen أنه ليس من الضروري أن يكون المترشح ذو مهارات عالية في الإختراق بل يكفي أن لديه أساسيات مجال أمن المعلومات و نحن سنتكفل بتطوير و تحسين قدراته .
و أضاف كذلك أن جميع إطارات الوكالة ستسهر على تخريج نخبة من المخترقين قادرين على التجسس على البلدان المعادية لهم و إختراق شبكات المنظمات الإرهابية .
ماذا بعد أكاديمية الهاكرز ؟
في إطار مكافحة الجريمة الإلكترونية و مواصلة للبرنامج اللذي وضعته الحكومة سوف تنظم الدنمارك إبتداءا من أيام 3 و 4 مايو 2017 ، مؤتمرا للسلامة المعلوماتية تحت إسم InfoSecurity 2017 و هو يعتبر أكبر حدث في الدنمارك للعام المقبل ، ليس لأنه جديد ، فهو في دورته الواحدة و العشرين ، بل لأنه أتى متزامنا مع تصاعد الهجمات الإلكترونية في البلاد و مع البرناج اللذي وضعته الحكومة و إتخذت مجال أمن المعلومات كأحد رهاناتها على النجاح في السنوات القادمة .
سوف يضم هذا المؤتمر خبراء في أمن المعلومات و أصحاب شركات تكنولوجيا المعلومات لتبادل الآراء و مناقشة الأفكار و طرح العديد من الرؤى المستقبلية حول أمن المعلومات.